الضحك هو الوسيلة الأكثر جدوى وجدية في التعامل مع ايقاع الحياة المتسارع والمتغير،ومواجهة المواقف المحرجة أو المحزنة أحياناً، وبالتالي يساعد على إخراج الشحناتالنفسية والطاقات الداخلية الموجودة لدى الإنسان، والتي تؤثر بالتأكيد على حالتهالنفسية والعضوية.
ويختلف الأفراد في مدى قدرتهم على الضحك؛ فبينما نرىوجوهًا عابسة بطبيعتها حتى في أكثر المواقف إضحاكًا، نكتشف وجوهاً أخرى تحركهانسمات الضحك ومداعباته المثيرة.
ويحتاج الإنسان ـ بشكل عام ـ إلى أن يفرحويضحك كي ينشغل عن همومه اليومية، لكن ليست هذه هي كل الغاية من الدعابة وروحالفكاهة والضحك؛ فنحن نحتاج بشكل شديد ومُلح أن نكون سعداء ونضحك ونتبادل الفكاهة؛كي نكون بصحة جيدة، وكي نعالج ما يُلم بنا من أمراض.
دراسات علمية
يمثلالضحك صمام أمان بالنسبة لجسم الإنسان؛ فخلاله يزداد إفراز مادة "إندروفين endorphin " في الدماغ، وهي المادة الباعثة على النشوة والراحة والرضا النفسي، كماتقل أثناءه إفرازات هرمونات الضغط النفسي والجسديstress hormones ، كالأدرينالينوغيرها، وهي تلك التي تعلو نسبتها في حالات الخوف أو الغضب أو الكراهية والعدوانية،مما يسبب مشاكل في جهاز المناعة والقلب والغدد والدماغ.
وتأكيدًا لتأثير الضحكالإيجابي على الصحة النفسية والبدنية للإنسان، أوضحت الكثير من الدراسات التيأُجريت في هذا الإطار الفوائد الكبيرة لممارسة الضحك، سواء بطريقة تلقائية أوكوسيلة للعلاج من الكثير من الأمراض.
في هذا الإطار، أكدت دراسة طبيةأميركية نشرت مؤخرًا أن الضحك يساعد على إفراز هرمونات بجسم الإنسان تحدث شعورابالاسترخاء والراحة وتعمل على تخفيض الهرمونات المصاحبة للتوتر، وقد أثبتت الدراسةأن معايشة الإنسان للمواقف السعيدة ليست وحدها التي تزيد من إفراز هرمونالإندروفين، الذي يبعث على الشعور بالراحة والاسترخاء، وإنما من شأن توقع خبر سعيدأو انتظاره أن يزيد من وجود ذلك الهرمون العجيب في الجسم.
كما أوضحت دراسةأخرى قام بها فريق من الباحثين في جامعة "ميريلاند" الأميركية أن مشاهدة الأفلامالكوميدية مفيدة للقلب لأنها تزيد من تدفق الدم.
وقال الباحثون: "إن أثر مشاهدةالأفلام الكوميدية يعادل أثر تناول أدوية القلب التي تعرف باسم "ستاتينز"؛ مفسرينالنتائج التي توصلوا إليها بأنه "من المحتمل أن الضحك الذي يصاحب الأفلام الكوميديةيؤدي إلى توسيع الشرايين، فيما يؤدي الضغط الذهني الناتج عن مشاهدة مواقف حزينة إلىتضييقها".
من ناحية أخرى، نشرت صحيفة "لوجورنال سانتيه" الفرنسية تقريرًاطبيًّا يؤكد فوائد عديدة الضحك؛ من بينها التأثير الإيجابي على الغدد الصماء، التيتتحكم في إفراز كميات السكر في الدم.
ويؤكد هذا التقرير صحة ما يقوم بهالأطباء، من توجيه النصح لمرضاهم بممارسة الضحك بصوت مرتفع لأكثر من مرة في اليوم؛لدوره الفعال في إنعاش عضلة القلب.
اللافت للنظر في هذا المجال أن هناكعيادات أطباء في أوروبا والولايات المتحدة، تقوم ببث تسجيلات صوتية لنجوم الكوميدياوالفكاهة، وعرض مشاهد كوميدية على شاشة التلفزيون الموجودة بقاعة الانتظار بالعيادةالطبية؛ لإضفاء جو من المرح بين المرضى الجالسين في انتظار العرض على الطبيب،ولإدخال البهجة في قلوبهم، بما يرفع من روحهم المعنوية، ويحسن من حالتهم النفسية،وبالتالي تقوية جهاز المناعة لديهم.
في نفس السياق، وفي أغسطس 2002، قامتمدينة "أربيناهايم" في منطقة "فيسبادن" الألمانية، بتدشين أول معهد للتمرين علىالضحك يُقام في أوروبا، كوسيلة طبية لمعالجة الأمراض؛ انطلاقًا من قاعدة "الجسمالسليم عبر الضحك السليم".
وتمر تعاليم فنون الضحك الصحي والسليم في هذا المعهد،عبر 11 درجة من التمارين، يتخرّج بعدها الطالب بصفته "أستاذ ضحك" مخوّل رسميًّا،بتدريس مادة الضحك في معاهد عالمية أخرى.
الضحك .. والألم
لاحظ عدد منالأطباء والباحثين في الولايات المتحدة وجود مؤشرات قوية على أن الدعابة والضحك ذاتمفعول إيجابي يقلل من الإحساس بالألم، ويرفع من مستوى الصحة، خاصة لدى الأطفال.
ويعتقد هؤلاء أن الضحك ومشاهدة أفلام الفيديو المضحكة تساعد الأطفال كثيرًا علىتحمل ألم العلاج، وعدم الخوف منه؛ حيث يستطيع الطفل ـ على سبيل المثال ـ تحمل وضعيده في ماء بارد لمدة تتجاوز 3 دقائق، حينما يشاهد أمرًا مضحكًا.
وفي إبريل 2005، نشرت مجلة "التطورات" للأكاديمية القومية للعلوم بالولايات المتحدة، دراسةتقول: "إن الشعور بالسعادة يقلل من نسبة المواد الكيميائية الناتجة عن التوتر،وكذلك تأثيرها على الجسم، كمادة "فايبرونجين" في بلازما الدم، التي تزيد من نشوءمسببات أمراض القلب، ونسبة مادة الكورتيسول Cortisol ، وهي المادة الهرمونية التيترتفع عند التوتر والمرتبطة بالسمنة والسكري، وارتفاع ضغط الدم، واضطرابات المناعةالذاتية autoimmune disorders .
فوائد الضحك .. نفسيًّا
من الناحيةالنفسية والاجتماعية، فإن الضحك يعكس الشعور براحة البال والثقة بالنفس، وقدرةالإنسان علي مسايرة الحياة من حوله، كما أن تعبيرات العبوس والكآبة والصرامةالزائدة تؤثر سلبيًّا علي الفرد نفسه وعلي من حوله.
والابتسام والضحك ينشرالإحساس بالسعادة والبهجة بين كل من نتعامل في محيطهم؛ فقد ثبت أن المشاعرالإنسانية لها خاصية الانتقال فيما يشبه العدوى؛ فالناس عادة ما يحاكون من حولهمويتأثرون بهم.
الضحك... والوزن
في يونيو 2005 أعلن فريق من الباحثين فيجامعة فاندربلت بولاية تنستي الأميركية نتائج دراسة حول تأثير الضحك على وزن الجسم،وفيه قالوا : "إن الضحك لمدة تتراوح ما بين 10 و 15 دقيقة يؤدي إلى خفض وزن الجسمبمقدار 2 كيلوجرام سنويا".
واستخدم الباحثون معايير دقيقة في تحديد مؤشراتحرق الطاقة؛ كقياس نسبة الأوكسجين وثاني أكسيد الكربون داخل الغرفة التي عرضت فيهاأفلام فيديو كوميدية، وطلب من المشارك عدم القيام بأي حركة غير فعل الضحك إن كانهناك شعور به.
والحقيقة أن الضحك ـ بما يشمل من حركات العضلات أو الجهازالتنفسي ـ يزيد من توفر الأوكسجين في الدم، وكذلك من تدفق الدم إلى الأعضاءالمختلفة، وحركة العضلات أثناء الضحك تحرق كميات من الطاقة، ففي الضحك تتحرك عضلاتالحجاب الحاجز في البطن وعضلات جدار البطن والجهاز التنفسي في القفص الصدري وعضلاتالوجه والعنق والظهر والأطراف السفلية، أي: أشبه ما تكون بتمارين "إيروبيك".