عايشت هذه الأمة الكريمة عبر
تاريخها النضالي العظيم , الكثير من الماسي والأوجاع والمعاناة والألم ,
منها ما تسببت به أيادي خارجية آثمة , بسبب موجات الاحتلال والاستعمار
الخارجي الذي عانت منه , وذلك نتيجة للضعف والهوان والانكسار والتبعية
التي لم يسبقها مثيل في تاريخها المجيد الذي تجاوز الأربعة عشر قرنا "
أطال الله عمره " , ومنها – وللأسف الشديد – ما وقع بأيدي أبناءها , او -
بالأصح _ من يدعي انه من أبناءها , وهو في حقيقة الأمر لا يزيد عن كونه
جزء لا يتجزأ من عوامل الخيانة والعمالة والتبعية والارتزاق للمستعمر
الأجنبي , أو لمن يمثله في عالمنا الإسلامي والعربي 0
فلا يمر
علينا يوم من الأيام , إلا ونستذكر فيه حدث من الأحداث السوداء المأساوية
في تاريخ هذه الأمة العظيم المثخن بالجراح والمجازر , نستذكره وامتنا
الغالية واقعة تحت وطأة الاحتلال والظلم وقبضة المستعمر الأجنبي وعملائه ,
نستذكره وكل عام يتهاوى أمامنا جزء غال من أجزاءها , وها نحن هذا العام
وتحديدا يوم الاحد22 / 8 / 2010م , تمر علينا الذكرى الأربعين
لإحراق المسجد الأقصى الشريف , أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ,
وواحد من المعالم المقدسة التي شاء الله لها ان تدل على صورة من صور النضال
والكفاح المستمر لهذه الأمة العظيمة 0
هذه الجريمة الأخلاقية
العنصرية النكراء , والتي ستبقى ما بقيت العصور والدهور , وصمة عار وشنار
على جبين المعاصرين لها من الأجيال الإسلامية والعربية , وأخرى على جبين
حضارة الرجل الأبيض وحواضرها التي لم تصمت أبواقها يوما وهي تدعي
الديموقراطية والتحضر والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان , وتلك القوانين
العرجاء التي لا تطبق سوى على الضعفاء والبؤساء والدول الضعيفة , فيما
عميت الإبصار وصمت الآذان وخرست الألسن عن جرائم كيان المستعمرة
الإسرائيلية الكبرى في فلسطين ارض الطهر والرسالات , وهي تقوم كل يوم
بعشرات المذابح والمحارق والأعمال الإرهابية والعنصرية 0
بل – وللأسف
الشديد – كانت تلك الدول نفسها – أي – الدول التي تدعي الديموقراطية في
الغرب كالولايات المتحدة الاميركية وأوربا على سبيل المثال لا الحصر ,
القفاز الدامي الذي ساهم في تسهيل تلك الجرائم الإرهابية لقبضة الكيان
الصهيوني الإجرامي , بل وسهلت الطريق بدعمها السافر لها بالمال والعتاد
والمحاباة وازدواجية المعايير , ووقوفها الأعمى وراء تصرفاتها الخارجة عن
القانون والإنسانية , والشواهد كثيرة على ذلك ولا تحتاج سوى لاسترجاع
الذاكرة قليلا الى الوراء 0
وإذ تتحمل تلك الدول الغربية المناصرة
لإسرائيل أصلا , والمتواطئة معها على جرائمها , بل والمتسببة في اختلاقها
وظهورها الحديث على ارض الطهر والرسالات فلسطين وفي كثير من دولنا العربية
, جزء من المسؤولية التاريخية والأخلاقية والإنسانية على ارتكاب كيان
المستعمرة الإسرائيلية الكبرى لتك المجازر والجرائم والمحارق بحق أبناء
الشعب الفلسطيني ومقدساته وثرواته ومقدراته , ومن ضمنها محرقة المسجد
الأقصى الشريف في العام 1969م , فأن دولنا الإسلامية والعربية بوجه خاص
تتحمل المسؤولية الكبرى , عما يحصل اليوم في فلسطين بوجه عام , وما يرتكب
بحق المسجد الأقصى الشريف على وجه التحديد , كون فلسطين العربية المسلمة
وشعبها العربي العظيم , جزء لا يمكن فصله او تجزئته عن هذه الأمة المجيدة
وقلبها العربي النابض , بل ويعود له الفضل الذي لا ينكره سوى جاهل في
الدفاع عنها ضد أشرس واخطر أعداءها المعاصرين 0
وإذ تمر علينا هذه
الأيام ونحن نعيش قدسية شهر رمضان المبارك الذكرى الأربعين لهذه المحرقة
العنصرية الصهيواميركية , والتي ارتكبها الاسترالي العنصري البروتستانتيّ
دينيس مايكيل بتاريخ 21 / 8 /1969م , كان من الضرورة ان نسترجع فيه
التاريخ لنجدد في نفوسنا ومشاعرنا محارق الألم , فلعل بين أكوام الجثث
الحية من يعيد إليها مجدها التليد , حيث لم يبقى لنا – وللأسف الشديد –
غير ذلك , بعد ان فقدنا القدرة على الفعل العربي السياسي النضالي أولا ,
ولم يبقى لنا من الإرادة السياسية العربية غير الشجب والاعتراض والاستنكار ,
واللهث وراء الدول الكبرى لاسترجاع حقوقنا المسلوبة والمغتصبة بسببهم
أصلا , وإذا فقدنا ثانيا الفعل الثقافي بسبب أقلام الارتزاق العربية
الرخيصة , والتي تخشى ان لا تجد ما تكتب في حال انتهى الصراع العربي –
الإسرائيلي 0
نعم 000 إننا بالعودة لاستقراء التاريخ الحديث لتلك
الأعمال والمخططات اللااخلاقية , والاعتداءات الوحشية والإجرامية
الصهيواميركية المبيتة تجاه المسجد الأقصى الشريف على وجه التحديد ، وتجاه
كل ما يمد بصلة إلى الأديان والعقائد السماوية الأخرى بشكل عام ، والتي
من خلالها يتأكد لنا بشاعة أيادي الصهاينة الإسرائيليين المجرمين منذ
اللحظة الأولى التي وطأة أقدامهم الملوثة بدماء الأبرياء والضحايا
والضعفاء ، وسوء أفكارهم ارض العروبة والطهر والإسلام فلسطين الحبيب ،
لوجدنا ما لا يمكن أن تضمه الكتب والمجلدات من امتدادات لتاريخ مظلم ومليء
بالجرائم والإرهاب والدماء , وبشاعة الأهداف والمخططات الإرهابية
والعنصرية ، ( وقد تم لهم تنفيذ بعض هذه المخططات ، بل كثير منها ، بعد أن
انطلقوا من القماقم كالمردة ، الذين يمثلون الشيطان في الأرض ، واستغلوا
غفلة الأمم عن أهدافهم الدنيئة ، وكم قامت من حروب بتدبيرهم لهدم الأديان
والمذاهب الإسلامية والمسيحية ، ونشر العداوة والبغضاء بين أصحاب هذه
الأديان والعقائد ، والوقيعة بينهم )0
لذا فإنه قد أصبح من الضرورة
الملحة والقصوى , الإسراع إلى إيجاد آلية دولية قانونية ملزمة وغير مؤقتة ،
وضمن نطاق الأمم المتحدة وتحت إشرافها، ووفق الاتفاقيات الدولية المعمول
بها في هذا الخصوص، تلزم حكومة الكيان الإسرائيلي الإرهابي المحتل احترام
تلك القوانين الدولية ووضع القدس الشريف الديني والاممي والقانوني وعلى
وجه التحديد المسجد الأقصى ومعالمه الدينية والتاريخية ، كاتفاقية لاهاي
التي توصلت إلى إبرامها اليونسكو في عام 1954م، بشأن حماية الممتلكات
الثقافية ، واتفاقية جنيف المبرمة في عام 1945م، وفي الملحقين المنضمين
إليها عام 1977م والتي تضع أسس حماية المقدسات الدينية وقت السلم والحرب
على السواء 0
كذلك اتفاقية فيينا بشأن خلافة الدول في ممتلكاتها
ومحفوظاتها وديونها المبرمة عام 1983م ، والتي تضفي الحماية القانونية
للمقدسات الدينية ، والقرار الدولي رقم 533 لعام 1986 والذي يقضي بإدانة
محاولة تهويد بيت المقدس وإزاحة الطابع العربي والإسلامي منه ، والقرار
رقم 476 الصادر في 5 يونيو 1980، والذي شجب تمادي إسرائيل في تغيير الطابع
العمراني لها، وتكوينها الديموغرافي وهيكلها المؤسسي، وغيرها الكثير من
القوانين الرسمية المعترف بها دوليا , والغريب في الأمر بأن الحكومة
الإسرائيلية نفسها قد أقرت بتلك الالتزامات وأصدرت قانونا لتأكيده هو
القانون رقم 5727 لسنة 1967 والذي جاء فيه انه " تحفظ الأماكن المقدسة من
أي انتهاك لحرمتها ومن أي شيء قد يمس بحرية وصول أبناء الأديان .... أو
بمشاعرهم تجاه هذه الأماكن " ونص على عقوبة الحبس لمدة خمس سنوات لكل معتد
على هذه الأماكن ) 0
فأين العالم الإسلامي بجميع طوائفه , والدولي
بمختلف دعاته عن كل تلك الانتهاكات السافرة لحقوق الشعب الفلسطيني
ومقدساته الإسلامية والمسيحية ؟ وأين هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن
الدولي والاتحاد الأوروبي والمؤسسات الحقوقية والقانونية والإنسانية وكل
أولئك المتشدقون بحقوق الإنسان والديمقراطيات وغيرها من تلك المصطلحات "
التي أصبحت لا تسمن ولا تغني من جوع " من كل تلك الجرائم البشعة التي
تمارس يوميا بحق تلك المقدرات والمقدسات الإسلامية في فلسطين بشكل عام
والقدس الشريف على وجه الخصوص 0[/size]
