نزلت المرأة لميدان العمل بحماس للثأر لكرامتها. نزلت للتحدي، لتثبت أنها
تستطيع فعلاً أن تقوم بما يقوم به الرجل من أعمال تضعه على عرش السيادة
والسيطرة، وأخذت تطالب بكل ما للرجل من حقوق وواجبات.
فيا ترى ما تسعى إليه المرأة بالعمل هل يحقق لها فعلاً المساواة الصحيحة والعادلة؟
إن الاختلاف بين الرجل والمرأة لا يقتصر على اختلاف المظهر الخارجي
والأعراض الظاهرة بجسديهما، بل يختلفان أيضاً في الناحية التشريحية، فكل
خلية من جسد المرأة خلية أنثوية تحمل طابع جنسها وتختلف عن خلايا جسد
الرجل، وأكثر من هذا فالجهاز العصبي للمرأة أضعف من الجهاز العصبي للرجل،
مما يجعل المرأة أسرع تهيجاً وأقوى انفعالاً والرجل أشد صلابة وأربط جأشاً
في مواجهة الصعاب.
إن المرأة لاتحتاج أن تثبت وجودها في ميدان الرجال، وإنما تحتاج أن تشعر
بوجودها الإنساني، وتعيش دورها الطبيعي بثقة واطمئنان واعتزاز. وإن خروج
المرأة في مجتمعنا للعمل لا ينبع من حاجة موضوعية، فالزوج مكلّف شرعاً بالنفقة عليها، وقبل زواجها الأب أو الولي. وليس صحيحاً ما يقال بأن خروج المرأة للعمل سيضاعف من ثروة البلاد على اعتبار أن عملها ليسد فراغاً، فلو كان الأمر كذلك لم تعان البلاد العربية من أزمة بطالة في رجالها!..
وحقاً لا توجد نصوص إسلامية تمنع المرأة من العمل، ولكن لا يصح أن نجعل
عملها أصلاً من أصول التنظيم الاجتماعي، وإنما يسوغ إذا توفرت الضرورة
والحاجة إليه بشرط ألا تتعدى حدود الله وتعرض نفسها لأجواء الاختلاط المحرم
والخلوة بالأجنبي.
إن تربية الطفل مشروع ليس بالبسيط أمره، لأنها تعني رعايته نفسياً
وإجتماعياً وليس جسد فحسب، فحاجاته الجسمية من طعام ونظافة وغير ذلك لاتكاد
تذكر إلى جانب احتياجاته النفسية والإجتماعية من الرعاية والتوجيه. نه
يملك ميولاً وعواطف وغرائزاً يعيشها ويعبر عنها بأفرط متجاوزاً بها الحدود،
والأم تقوم بتهذيب غرائزه وتعجيل عواطفه وتنسيق ميوله، وتنقل له تجاربها
وخبراتها التي اكتسبتها، فتجعل منه كائناً إجتماعياً فاعلاً يحسن الامتزاج
في المجتمع. وإن مهمة كبيرة ودقيقة كهذه تتطلب منها الملاحظة الدائمة
لأوضاعه وسلوكه وتطوراته وهو يتحرك على سجيته بين عينيها، ولا يتسنى لها
ذلك إلا بالتفرغ لشأنه وملازمته أطول فترة ممكنة. إن تربية النفوس تطلب
احتضانها فترة طويلة من الزمن، ولا تستطيع المحاضن ـ غير الأم ـ مهما بلغت
في أخلاصها وبذلها أن تعطي ما تعطيه غريزة الأمومة التي تعيش في أعماق
الأم، وتدفعها بتفان إلى إيثار طفلها على نفسها فيما ينفعه ويريحه ويدفع
عنه النقص والأذى. ولا أحسب أماً مخلصة في حب أطفالها تفضل عملها خارج
المنزل عليهم، أو تسمح لأي شيء لاتفرضه ضرورة موضوعية ملحّة أن ينقص من
عطائها لهم، ولا أحسبها ترجح المكسب المادي الذي يوفّره العمل لها على
حاجاتهم الروحية والإجتماعية، حتى لو كان هذا المكسب من أجلهم، فحاجات
الروح لهم الأولية على الحاجات المادية إذا تعارضتا.
وأما إذا اضطرت الحاجة الماسة المرأة لأن تعمل، فلابد أن يكون عملها في
مجالات الحاجة الفعلية إليها كامرأة، مثل طب أمراض النساء، والتوليد،
وتدريس البنات، إذ من الملاحظ في مجتمعنا بشكل عام أن المرأة في العمل
لاتوضع حيث تقتضي الحاجة أن توضع، فمن مصلحتها ومصلحتنا الإجتماعية أن توجه
للوظائف التي تنفق وطبيعتها وتتلائم مع رسالتها.