الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،وبعد،،،،،
مفهوم الدعوة وموضوعها:
أولاً: مفهوم الدعوة:
الدعوة لغةً: جاء في اللغة الدَّعوة إلى الطعام: بالفتح، يقال: كنا في دعوة فلان ومدعاة فلان، وهو مصدر، والمراد بهما الدعاء إلى الطعام.
وداعية اللبن: ما يترك في الضرع ليدعو ما بعده((1) وتأتي الدعوة بمعان كثيرة، منها:
1- الاستغاثة، كقولك للرجل: إذا لقيت العدو خاليًا فادع المسلمين. فالدعاء هنا بمعنى الاستغاثة.
2 – العبادة، كما في قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) [غافر: 60]، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «الدعاء هو العبادة» (2) .
3 – المناداة، دعا الرجل دعوًا ودُعاءً بمعنى ناداه، والاسم الدعوة، ودعوتُ فلانًا، أي صحتُ به، واستدعيته، والدعاة: قوم يدعون إلى بيعة هدىً أو ضلالةً، واحدهم: داع. ورجل داعية: إذا كان يدعو الناس إلى بدعة أو دين، أدخلت الهاء فيه للمبالغة. والنبي صلى الله عليه وسلم داعي الله تعالى ومنه قوله تعالى: (وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً) [الأحزاب: 46]، معناه: داعيًا إلى توحيد الله وما يقرب منه(3) .
والدعوة يراد بها في الاصطلاح أحد معنيين:
1 – المعنى الأول: الإسلام.
2 – المعنى الثاني: «نشر هذا الدين للناس». وفي المجال الدعوي يقصد هذا المفهوم على العموم. كما قال تعالى: )قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ([يوسف: 108]، ولمقصود بالدعوة إلى الله هنا الدعوة إلى دينه.
وهذا المعنى الأخير هو المراد بالدعوة في هذا البحث، سواء كانت الدعوة إلى الإسلام وترك الكفر، أو الدعوة إلى الطاعة وترك المعصية، أو الدعوة إلى العمل الفاضل وترك المفضول.
ثانيًا: موضوع الدعوة:
إن موضوع الدعوة إلى الله تعالى هو الإسلام الذي هو الخضوع والاستسلام والانقياد لله رب العالمين، والذي عبّر عنه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل حين سأله عن الإسلام فقال: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا»(4).
وهذا يعني أن موضوع الدعوة هو: الدعوة إلى العقيدة الصحيحة، ومن ثم الدعوة إلى تطبيق الشريعة بكاملها من العبادات والأخلاق والآداب والسلوك والاستقامة، ونبذ الشرك والكفر والنفاق وعموم المعاصي والآثام وغيرها.
ثالثًا: أهداف الدعوة :
يمكن الوصول إلى معرفة أهداف الدعوة من النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، والتي تتجلى في الأمور الآتية:
2 – نشر الإسلام في الأرض، لقوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )[التوبة:33].
3 – تصحيح العقيدة عند الناس، لأنه الأصل الذي إذا صلح، صلح سائر الأعمال وإذا فسد، فسد سائر الأعمال، وقد كان من أول أهداف دعوة الرسل جميعًا عليهم السلام تصحيح العقيدة، لقوله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)[الأنبياء: 25]، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا حين بعثه إلى اليمن أن يدعو الناس إلى توحيد الله تعالى قبل دعوتهم إلى أي شيء آخر فقال: «إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله»(1) .
4 – القيام بالفروض والعبادات المتمثلة في أركان الإسلام، وتصحيح ما يشوبها أحيانًا من البدع والزيادات، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الهدف تاليًا للعقيدة في وصيته لمعاذ حين بعثه إلى اليمن، حيث قال: «فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإيّاك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب»(2) .