موضوع: تفسير آيات - سورة السجدة والإنسان: حال المؤمن الجمعة 2 مارس - 23:15
﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾
[ سورة السجدة الآية: 16 ]
المعنى الواسع لهذه الآية، أن كل شيءٍ تركن إليه النفس هو لا يركن إليه، الناس يسترخون، يستمتعون، ينامون، يأكلون، يشربون، يضحكون، يغوصون في أمور الدنيا، هو قلق، قلقٌ على مصيره، قلقٌ على حسن خاتمته، قلقٌ على مسعاه إلى الجنة، فالله عز وجل قال:
﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾
يعني لا يركن إلى متع الحياة الدنيا، لا يراها كل شيء، لا يراها هدفاً من أهدافه الكبيرة، هدفه مرضاة الله عز وجل:
﴿ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً ﴾
[ سورة السجدة الآية: 16 ]
هناك مقياس دقيق، إذا زاد الرجاء ضعف الانضباط، وإذا زاد الخوف ضعف الرجاء، من السهل جداً أن ترجو الله رجاءً ساذجاً من دون عمل، وأن تطمع في رحمته من دون التزام، وسهلٌ جداً أن تخافه خوفاً غير معقول، فلا ترجو رحمته عندئذٍ، كلاهما حالةٌ مرضية، الوضع المتوازن أن ترجوه بقدر ما تخافه، وأن تخافه بقدر ما ترجوه، أن تكون بين الخوف والرجاء، أن تعبده رغباً ورهباً، التوازن يحتاج إلى بطولة، أما التطرف سهل جداً في أي شيء، التطرف سهل، أما التوازن يحتاج إلى دقة، لذلك:
إذاً هو على اتصالٍ بالله، ومع الاتصال خوفٌ وطمعٌ في وقتٍ واحد، على مستوى العمل:
﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
يعني بنى حياته على العطاء، مما أتاه الله. يعني سمعت قصة أن امرأةً أصيبت بمرضٍ خبيثٍ في دماغها، فنذرت إن شفاها الله أن تقدم كل ما تملك في سبيل الله، فشفيت، طيب ماذا تملك؟ امرأةٌ فقيرةٌ جداً، لا تملك شيئاً، سمعت أنها بدأت تطبخ طبخاً نفيساً، وتبيعه إلى أسرٍ غنيةٍ، والفرق تعالج به المرضى وأقبل الناس عليها إقبالاً شديداً، طبخ بيتي، مستوى عالي جداً، وتأخذ ثمن هذا الطعام مع ربحٍ جيد، الأرباح كلها لم تتدخل جيبها، إنما قُدمت لمعالجة المرضى، فارتقت عند الله، ماذا تملك هذه المرأة؟ أنها تطبخ طبخاً جيداً فقط، ما في إنسان ما عنده ميزة بالأرض.
واحد وهب عرضه لمن اغتابه، أبو ضمضم: يا رب وهبت عرضي لمن اغتابني، سامحته، كان يقدر أن يقاضيه، فما في إنسان ما في عنده شيء، فهذا الشيء لو أنك نذرته لله:
نذرت ابنها، أو وليدها إن صح التعبير، ففي واحد يملك خبرة، واحد اختصاص واحد لغة أجنبية. والله البارحة أخ كريم قال لي: أنا أستاذ في الجامعة، ومتخصص في الكيمياء وأنا بخدمة هذه المسجد، عرض إمكانيته، هذا باختصاص، هذا بمهنة، هذا بحرفة هذا بمال هذا بخبرة، هذا بترجمة، هذا بموضوع، لابد أن تقدم شيء لله عز وجل خالص هذا الشيء هو ثمن الجنة، نعم هؤلاء الذين يستحقون الجنة:
﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ﴾
النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح يقول:
(( إياك والتنعم ))
[ أخرجه الإمام أحمد عن: معاذ بن جبل ]
طبعاً الإنسان يتنعم أحياناً، لكن يتنعم دون أن يكون قصداً له، دون أن يكون شيئاً في حياته مركزاً، الله يسره بأهله، بأولاده، بطعام، بلقاء، بسفر، بثمر إسلامي بريء، مباح طيب، دون أن يكون شيئاً مركزاً في حياته.
وفي آية قرآنية لعلي ذكرتها كثيراً، لكن لعل بعض الإخوة لم يسمعها من إعجاز القرآن العلمي، يعني في هذا العصر من أكبر أعلام العلم الفلكي،والفيزيائي أنشتاين وقد عقد مؤتمر للإعجاز العلمي في موسكو، المؤتمر الخامس، ألقيت فيه محاضرةٌ، أنا اطلعت على ملخصها، ثم طلبت أصلها، فقدم إلي، أصل هذه النظرية أن الله عز وجل يقول:
لأن العرب مخاطبون بهذه الآية، ولأنهم يعدون السنة القمرية، فكان هذا اليوم يساوي ألف سنة، بعض العلماء حسبوا أن القمر يدور دورة حول الأرض في كل شهرٍ مرة ومن السهل جداً أن تحسب كم يقطع القمر في رحلته حول الأرض من خلال وصل خط بين مركز الأرض ومركز القمر، هذا نصف قطر الدائرة، ومضاعفة الخط قطر، ضرب البي المحيط، ضرب اثنا عشر بالسنة، ضرب ألف، ألف سنة، هذا الرقم الكبير جداً لو قسم على ثواني اليوم:
النتيجة طبعاً لو قسمنا المسافة على الزمن ينتج السرعة، النتيجة سرعة الضوء الدقيقة، مئتان وتسعة وتسعين ألف، وسبع مئة واثنان وخمسون كيلو متر في الثانية، هذه سرعة الضوء الدقيقة، وهي السرعة المطلقة في الكون، فلو سبقنا الضوء تراجع الزمن، ولو سرنا مع الضوء توقف الزمن، ولو قصرنا عن الضوء تراخى الزمن، آية:
الحد الأدنى ركعتان قبل آذان الفجر، الحد الأدنى، وأنا أقول لكم لا يمكن أن ينطق النبي بالهوى، النبي روى لنا أنه:
(( إِذَا مَضى شَطْرُ، أو ثُلُثَاهُ، يَنْزِلُ اللهُ تَبارَكَ وتعالى إِلى السماءِ الدنيا فيقولُ: هل من سائِلٍ فَيُعْطَى؟ هل من دَاعٍ فَيُستَجَابَ لَه؟ هل من مُستَغفِرٍ فَيُغْفَرَ لَهُ؟ حتى يَنفَجِرَ الصُّبْحُ ))
[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ومالك في الموطأ، عن: أبو هريرة ]
الآن علماء البلاغة قالوا: إن هؤلاء عند الله صغار، تافهون:
﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ﴾
[سورة الإنسان الآية: 27 ]
يحبون الدنيا:
﴿ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً ﴾
[ سورة الإنسان ]
يعني ممكن إنسان يعترض على الإمام، أنه أطال في القراءة، واعتراض عنيف جداً، واعتراض قاسي، أما لو حدثته في أمور الدنيا وقف ساعتين على قدميه في الطريق دون أن يشعر، لم يحتمل قراءة صفحة، لكن أدار حديثاً دام ساعتين وهو واقف، فلما الإنسان يتضايق من بقائه في المسجد، ومن أداء الصلوات، ومن تلاوة القرآن، ويسرح، ويمرح في أمور الدنيا، فهذا مؤشر خطير جداً:
أن نلغي اختياركم أن نلغي قوامكم، أن نلغي التكليف، أن نلغي المسؤولية، أن نلغي الجنة، أن نلغي النار،
﴿ وَلَوْ شِئْنَا ﴾
، أن نسيركم قسراً لما أجبرناكم إلا على الهدى، ولكن هذا الهدى. يعني مرة ضربت مثل: لو أن طالب يعمل والده في بيع الأزهار، جاء لمعلمه بطاقة زهر، طفل صغير جاء بطاقة زهر، وهو مبتسم، وفرح، وقدم شيء ثمين، والأستاذ قبلها منه، وأثنى عليه، طوال اليوم هذا الطالب مع الأستاذ، متألق، زئبقي العين، متورد الخدين، لأنه عمل عمل طيب، جاء بهدية لأستاذه، والأستاذ وضعها على الطاولة، وأثنى عليه، انظر الحادثة نفسها بشكل آخر، ماذا يعمل أبوك يا ابني؟ قال له: يبيع أزهار، قال له: أحضر لي باقة ورد، ولا تنسى، أو أضع لك صفر مثلاً، أحضر في اليوم الثاني، خذ يا أستاذ هل يرقى الطالب في المرة الثانية؟ أبداً، فيها قهر، مدام قهر ما فيها شعور أنه قدم شيء، لا يمكن أن ترقى إلا بعمل مختار، العمل القسري لا ترقى به، فلو أراد الله أن يهدينا جميعاً لهدانا قسراً، هذا الهدى لا قيمة له إطلاقاً، وأساساً الأقوياء إذا كان أعطوا أمر الكل ينفذ بالملايين ينفذوا، لكن هل يرقى الناس بهذا الأمر؟ أبداً، لأنه كان قسر، هنا يقول الله عز وجل
﴿ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ ﴾
تذكرة فقط:
﴿ فَمَنْ شَاءَ ﴾
من أراد مختاراً، طائعاً، مبادراً
﴿ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ﴾
جاء للمسجد قرأ القرآن، عرف أحكام الشرع، غض بصره، ضبط أذنه، ما سمع الغناء، ما عاش مع الملهيات، ما اغتاب، ما نم، كان صادق، كان أمين، هذا طريق الله عز وجل، الصدق طريق والأمانة طريق، والعفة طريق، والاتقان طريق، والنصيحة طريق الطرق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، لكن:
﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾
[ سورة الإنسان الآية: 30 ]
من أجل أن لا نفهم هذه الآية فهماً جبرياً، والفهم الجبري خطير جداً، أنه أنا لو شئت الله لا يشاء لي إذا أراد، لا ليس هذا هو المعنى، نقول له: يا أيها الإنسان مشيئتك مشيئة بحثٍ، واختيار، لكن مشيئة الله مشيئة فحصٍ، واختبار. الآن واحد أخذ مئة وعلامتين بالباكلوريا، كتب أريد الطب، ينظروا إلى علاماته يرفضوه طبعاً، هم ما رفضوه تعنتاً، ولا قسوةً، لكن ما عنده أهلية هذه الكلية. فالإنسان يشاء يبحث، ويشاء، والله عز وجل يمتحن ويمحص، فمشيئة الإنسان مشيئة اختيار، لكن مشيئة الله مشيئة اختبار، تختار أنت والله يختبرك:
﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾
يعني ما كل طالب قدم كلمة طب بالاستمارة يُقبل، ينظروا إلى علاماته، ينظروا إلى مجموعه، علامة العلوم، علامة الرياضيات، في اختبار: